مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الثاني)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الثاني)
يقولون أن الفلسفة أم العلوم، وهم لا يذكرون كيف نشأت هذه الأم، كيف ولدت، وكيف نمت، وكيف تطورت.
كان من الأنسب أن يقولوا "أن الفيزياء هى أم العلوم"، فغالبية المعارف والأفكار تشكلت وتم بناؤها نتيجة المعارف المادية أو الفيزيائية. فغالبية الأفكار الفلسفية بنيت أو انطلقت من المعارف المادية أو الفيزيائية، وكافة الفلسفات انطلقت من أفكار قليلة مادية أو فيزيائية الماء والتراب والهواء والنار. فالواقع المادى هو دوماً منطلق تفكيرنا.
وقد قسم الأقدمون هذا الواقع إلى عالمين مختلفين، عالم الأشياء أو البنيات المادية الملموسة التى لها حجم ووزن وخصائص أخرى أى العالم الفيزيائي، وعالم غير مادى وهو مؤلف من البنيات غير المادية، طاقة، أو قوة، أو نار، والبنيات النفسية، والروحية، والفكرية. ولم يستطيعوا أن يوفقوا بين العالمين، فهم كانوا لا يملكون المعارف الدقيقة اللازمة لذلك.
لكن الآن استطاع المنهج العلمى المعتمد على المعارف الفيزيائية، والرياضيات -فهو لا يكتفى بالمنطق -، والاختبار والتجريب، كأساس فى بناء كافة المعارف. وقد حقق بذلك الوصول للكثير من المعارف الموضوعية والدقيقة جداً.
فالفيزياء الآن بعد أن أرجعت الطاقة والقوى والمجالات إلى المادة وجعلتهم شيء واحد، صار بالإمكان تفسير أية ظاهرة أو أى شيء بالانطلاق من العلوم الفيزيائية، بما فيها الظواهر الفكرية والنفسية والشعورية والبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية "نظرية كل شيء".
لقد استطاع هذا المنهج تحقيق فهم دقيق للكثير من الأشياء والأحداث المادية وغير المادية التى نصادفها. وتم بناء منظومة واحدة من العلوم المترابطة والواسعة جداً، والتى تشمل الكثير من مناحى حياتنا، والمعارف فى هذه المنظومة تستمد دقتها وقوتها من ثبات البنيات التى تتعامل معها، فعمر البروتون عشرة قوة 34 سنة فهو يبقى ثابت طوال هذه المدة، و شحنة الإلكترون ثابتة بشكل كبير جداً وكذلك كتلته السكونية، وسرعة الضوء ثابتة، وكذلك ثابتة بالانك وبقية الثوابت الفيزيائية. ومن عدم تناقضها مع بعضها. وبانطباقها الكبير على الواقع.
وهذه العلوم سمحت لنا بالتعامل المجدى والفعال مع الواقع المادى "الصناعة والزراعة والعمران.."، من أجل تحقيق أهدافنا وغاياتنا.
فقد اعتمد العلماء فى تشكيل المعارف العلمية على التجريب والاختبار والاستقراء الواسع وقاموا بوضع النظريات والقوانين، وكانت العلوم الفيزيائية والكيميائية هى المجال المناسب لتطبيق منهجهم والوصول لمعارف عالية الدقة بشكل كبير. واعتمدت العلوم الفيزيائية كأساس تبنى عليه باقى العلوم، فيتم تشكيل القوانين والنظريات والمعارف الكيميائية الدقيقة بالانطلاق من القوانين والنظريات الفيزيائية، ثم تبنى العلوم الفزيولوجية والبيولوجية وباقى العلوم.
صحيح أن المنهج العلمى الآن يواجه صعوبات كثيرة للوصول للمعارف الدقيقة فى كافة المجالات، نتيجة اتساع هذه المجالات التى نتعامل معها، بالإضافة لتعقيدها الكبير، وخاصة المجال النفسى والاجتماعى والاقتصادي. ولكن يظل الكثيرون يؤمنون أن اعتماد المنهج العلمى والمعارف الفيزيائية الدقيقة التى تم التوصل لها، هو الأفضل للوصول إلى معارف عالية الدقة فى تلك المجالات.
يقول جون بروكمان فى مقال عن "الإنسانيين الجدد": تتمثل المستحدثات فى ظهور بيولوجيا جديدة عن العقل وتحقيق تطورات مهمة تعتبر بمنزلة طفرة واسعة فى ميادين البيولوجيا العصبية والذكاء الصناعى والشبكات العصبية وغيرها من الإنجازات العلمية التى تؤلف تحدياً للافتراضات القديمة عن الطبيعة البشرية وعن معنى الإنسانية.
لقد أصبح مركز الفعل العقلى - حسب تعبيره - فى أيدى العلماء والمفكرين ذوى الميول العلمية، وهؤلاء هم الذين يؤلفون "الإنسانيين الجدد". "فالعلم الطبيعى الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا..." هو إذاً مركز الثقل فى الثقافة الجديدة على عكس ما كان عليه الوضع فى الماضى غير البعيد، فلم تعد معرفة الشخص لآراء مفكرين كبار من أمثال فرويد وماركس أو الإحاطة باتجاهات الحداثة مؤهلاً أو مسوغاً كافياً لاعتبار ذلك الشخص مثقفاً لأن هذه الثقافة "لا أمبيريقية" تغفل العلم، بل إنها على أفضل الأحوال مجرد شروح على شروح أو تعليقات على تعليقات سابقة، ولا تأخذ فى اعتبارها عالم الواقع بشكل دقيق، فهى ثقافة تعتمد معلومات متواضعة الدقة.
ما هى العلوم الفيزيائية؟ وإلى أين وصلت الآن؟
هذه نظرة سريعة: أن كافة الذرات تتألف من جسيمات ذرية صغيرة مستقرة، وهى الإلكترونات كتلة كل منها صغيرة نسبياً ولها شحنة سالبة، والبروتونات وهى ذات كتلة كبيرة نسبياً كتلة كل منها أكبر ب 1836 مرة من كتلة الإلكترون ولها شحنة موجبة مقدارها يعادل شحنة الإلكترون، والنيترونات كتلة كل منها تساوى تقريباً كتلة البروتون وليس لها شحنة. وكافة العناصر والمركبات والمواد مؤلفة من ذرات، والاختلاف بينها يكون بعدد الإلكترونات والبروتونات والنيترونات فقط. والجسيمات الذرية المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون والفوتون، وبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل.
وإن كل جسيم ذرى مؤلف من بنيات "أو أجزاء" صغيرة جداً، وهو غالباً على شكل غيمة أو غمامة تأخذ حيز معين، وهو غالباً متحرك حركة سريعة جداً، تقاس بالنسبة لسرعة الضوء. ولكل جسم ذرى مهما كان دوران أو لف "اسبين"، وله موجة مرفقة له أو يمكن أن يظهر على شكل موجة. وأن هناك أكثر من مائتان من الجسيمات الذرية غير المستقرة، والجسيمات المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون و الفوتون، والبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل.
إن كافة الجسيمات مصنوعة فى جوهرها من طبيعة "أو هيولي" واحدة وهى كمات من الطاقة. ويمكن أن تتحول كافة هذه الجسيمات إلى كمات من الطاقة أو العكس تتحول الطاقة إلى أحد هذه الجسيمات.
وهناك الأمواج ومنها الأمواج أو الأشعة الكهرطيسية التى لها خصائصها، والضوء أحد أشكالها، والضوء ثنائى الوجه فهو مرة بوجه أو بشكل بنية فوتون ومرة بشكل موجة كهرطيسية لها تردد معين حسب لونه وحسب طبيعته. وهناك الأمواج أو الأشعة النووية، والأشعة الكونية. وكافة الأمواج الكهرطيسية والنووية تسير بسرعة هائلة هى سرعة الضوء.
إن الذى ينشئ البنيات الفيزيائية هو القوى التى تتعرض لها عناصرها، فكافة أنواع الذرات تتكون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية. أما كافة أنواع المجرات والنجوم والكواكب والأقمار فهى تتكون نتيجة القوى الثقالية أو الجاذبية النيوتونية، ولولا وجود هذه القوّة لما تشكلت المجرات والنجوم أو الشموس والكواكب والأقمار.
وتعرض نظرية \'النموذج المعياري\' Standard Model توصيفاً كاملاً لمكونات الكون. فهى تعتبر أن كل شيء يتكون حصرياً من 12 جسيم أساسي: ستة كواركات QUARKS وستة لبتونات LEPTONS. جسيم ضد لكل جسيم من هذه الجسيمات. المجموع: 24 جسيماً دون ذري. هذه الجسيمات كافية تماماً لتشكيل كل شيء، فهى تشكل كافة الجسيمات الذرية. هذا النموذج يعد الأساسى والمنطلق للفيزياء الحديثة؛ رغم الهجمات المستمرة عليه ، والتى يبدو أنها ما تزال تزيده قوة.
وكانت نظرية الكم تحاول أن تفسر كافة البنيات والظواهر الفيزيائية بناءً على أنها حركة وتفاعل "لكمات الصغيرة".
ومفهوم الكم استعمل فى الفيزياء للدلالة على أن الطاقة ليست كميات متصلة، أى لا يمكن تقسيم أجزاء الطاقة إلى ما لا نهاية. والطاقة تنتقل على شكل وحدات متناهية الصغر وهى محددة وثابتة الكمية، وكذلك سرعتها ثابتة وهى سرعة الضوء، وأسموها "كمات" فهى مقداره من الطاقة تساوى 6256.6 10* مرفوعة الأس -34، أى هو مقدار متناهى فى الصغر، فإذا جمع ألف مليون مليون مليون مليون مليون "كم" لبلغوا جزء صغير من الطاقة هو حوالى جول ثانية فقط.
لا يوجد أى شيء فى الوجود إن كان مادة أو طاقة إلا وهو مؤلف من كمات، والكم لا نستطيع تحليله إلى بنيات أصغر منه، ومن هذه الكمات تتكوٌن الكواركات و اللبتونات، ومن الكواركات واللبتونات تتكون الجسيمات الذرية وهى أكثر من مائتين منها الفوتونات والإلكترونات والبروتونات والنيترونات. وأنه يمكن حساب نتائج هذه التفاعلات باستعمال الرياضيات المتطورة.
وقد نجحت هذه النظرية فى تفسير غالبية الظواهر الفيزيائية. فمن حركة البنيات الذرية الأولية تتكون المجالات والسيالات وبالتالى القوى الأساسية الثلاثة، الجاذبية أو الثقالة، والقوى الكهراطيسية مع القوى النووية الضعيف، والقوى النووية القوية. وكذلك تتكون الكتلة والشحنة والاسبين من تفاعل الكمات مع بعضها بطرق معقدة لم تتضح بعد.
فمن تفاعل البنيات الفيزيائية الأساسية، الإلكترون والبروتون والنيترون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية، تكونت ذرات كافة العناصر الكيميائية، ومن ذرات العناصر تكونت كافة المركبات الكيميائية بكافة أشكالها العضوية وغير العضوية، ومن هذه المركبات الكيميائية تكونت البنيات الحية البسيطة جداً ثم وحيدات الخلية البسيطة وهى نباتية وحيوانية، ثم الكائنات الحية كثيرة الخلايا ثم الفقريات وغيرها ثم الثدييات ثم الرأسيات ثم البشر.
وقد شكل البشر بعد أن ملكوا الكثير من القدرات الجسمية المناسبة بالإضافة إلى عقل متطور استخدم اللغة المحكية، البنيات الاجتماعية والبنيات التكنولوجية البسيطة مثل السكين والفأس والرمح والمحراث..، وكذلك كونوا البنيات الثقافية المتطورة بعد أن تشكلت اللغة المكتوبة، وتكونت الحضارات والبنيات السياسية والاقتصادية، ثم البنيات التكنولوجية المتطورة، القطارات والطائرة والمصانع والآلات...، ثم تكونت البنيات الإلكترونية التى تطورت وكونت العقول الإلكترونية.
لكن هناك سؤال : هل كل شيء يمكن إرجاعه إلى أسس فيزيائية، والقوانين الفيزيائية تنطبق عليه؟
فى الواقع نحن نعيش فى ثلاث عوالم مختلفة، وهى العالم المادى أو الفيزيائي، وعالم الكائنات الحية، وعالم الأفكار. ولهذا العوالم عناصرها وقوانينها الخاصة بها، صحيح أن هناك تشابه بينها فى بعض القوانين، وأن هناك تسلسل فى نشوء هذه العوالم وهى مترابطة زمنياً و سببياً. فمن العالم الفيزيائى تشكل عالم الكائنات الحية، وهو يختلف فى أمور عدة عن العالم الفيزيائي. ولكنه يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها.
وكذلك تشكلت الأفكار فى أدمغة الكائنات الحية ثم بعد ذلك استطاعت هذه الأفكار أن تخرج وتتوضع خارج العقول. وعالم الأفكار هو أيضاً يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها، ولكنه يختلف فى خصائصه وبعض قوانينه عن عالم الكائنات الحية وعن العالم الفيزيائي، مع أنه تشكل منهما. لذلك يجب مراعاة خصائص كل من هذه العوالم الثلاثة.
فنحن نعيش فى العوالم الثلاثة ونخضع لقوانينها وتأثيراتها، فالبنيات الفيزيائية تؤثر فينا كما تؤثر علينا البنيات الفزيولوجية "المكونة لجسمنا " والبنيات الحية الأخرى إن كانت حيوانات أو حشرات أو جراثيم، وتؤثر علينا البنيات الاجتماعية إن كانت ثقافية وعقائدية أو فكرية و سياسية و اقتصادية و تكنولوجية....
ولكن يظهر أن التأثير الأكبر علينا هو من عالم الفكر "الثقافة والعقائد والمعارف" فهو يتحكم ويوجه أغلب تصرفاتنا، وهو يساهم بشكل أساسى بتشكيل أهدافنا وغاياتنا ودوافعنا. وفى النهاية نذكر أهم خصائص كافة المعارف.
1- المعرفة هى تنبؤ "والاستقراء، والاستنتاج، والاستنباط، والاستدلال، و التركيب، والتحليل، والتفسير، والسببية" يتضمنون التنبؤ، والحكم هو تنبؤ معتمد. و لها درجة صحة أو درجة دقة ولا توجد معارف مطلقة الصحة. والمعرفة هى بمثابة مفاتيح تسمح لنا بفتح الزمن واستباق الواقع، ومعرفة مراكز التوازن أو الاستقرار لدارات تفاعل البنيات ونتائج صيرورتها، وبالتالى تسمح لنا بتحقيق الأهداف بأسرع وأسهل طريقة، دون استعمال التصحيح بالتغذية العكسية أو التجربة والخطأ، لأنها تسمح لنا بتحديد المطلوب الصحيح فوراً. فهى بمثابة المفاتيح التى تفتح الأقفال أو الأبواب المطلوبة من المرة الأولى.
2- نسبية المعرفة وتبعيتها للعارف وارتباطها به، لذلك لا توجد معارف مطلقة.
3- ارتباط المعرفة وتبعيتها لخصائص وقدرات الحواس البشرية. أشكال تأثرها بالوجود و خصائصها، وقدرات وخصائص العقل البشري. لذا فإن المعرفة البشرية مختصرة ولا تشمل إلا جزءاً ضئيلاً من وقائع الواقع اللا متناهية. وترتبط المعرفة بزمان ومكان وقدرات وخصائص الإنسان العارف الذى هو مرجع هذه المعارف، لذلك تختلف المعارف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمان.
4- المعارف يجب أن تكون عامة و توحيدها لا بد منه، عند تعامل الناس بها.
5- هى نتيجة التواصل الفكرى بين البشر
كان من الأنسب أن يقولوا "أن الفيزياء هى أم العلوم"، فغالبية المعارف والأفكار تشكلت وتم بناؤها نتيجة المعارف المادية أو الفيزيائية. فغالبية الأفكار الفلسفية بنيت أو انطلقت من المعارف المادية أو الفيزيائية، وكافة الفلسفات انطلقت من أفكار قليلة مادية أو فيزيائية الماء والتراب والهواء والنار. فالواقع المادى هو دوماً منطلق تفكيرنا.
وقد قسم الأقدمون هذا الواقع إلى عالمين مختلفين، عالم الأشياء أو البنيات المادية الملموسة التى لها حجم ووزن وخصائص أخرى أى العالم الفيزيائي، وعالم غير مادى وهو مؤلف من البنيات غير المادية، طاقة، أو قوة، أو نار، والبنيات النفسية، والروحية، والفكرية. ولم يستطيعوا أن يوفقوا بين العالمين، فهم كانوا لا يملكون المعارف الدقيقة اللازمة لذلك.
لكن الآن استطاع المنهج العلمى المعتمد على المعارف الفيزيائية، والرياضيات -فهو لا يكتفى بالمنطق -، والاختبار والتجريب، كأساس فى بناء كافة المعارف. وقد حقق بذلك الوصول للكثير من المعارف الموضوعية والدقيقة جداً.
فالفيزياء الآن بعد أن أرجعت الطاقة والقوى والمجالات إلى المادة وجعلتهم شيء واحد، صار بالإمكان تفسير أية ظاهرة أو أى شيء بالانطلاق من العلوم الفيزيائية، بما فيها الظواهر الفكرية والنفسية والشعورية والبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية "نظرية كل شيء".
لقد استطاع هذا المنهج تحقيق فهم دقيق للكثير من الأشياء والأحداث المادية وغير المادية التى نصادفها. وتم بناء منظومة واحدة من العلوم المترابطة والواسعة جداً، والتى تشمل الكثير من مناحى حياتنا، والمعارف فى هذه المنظومة تستمد دقتها وقوتها من ثبات البنيات التى تتعامل معها، فعمر البروتون عشرة قوة 34 سنة فهو يبقى ثابت طوال هذه المدة، و شحنة الإلكترون ثابتة بشكل كبير جداً وكذلك كتلته السكونية، وسرعة الضوء ثابتة، وكذلك ثابتة بالانك وبقية الثوابت الفيزيائية. ومن عدم تناقضها مع بعضها. وبانطباقها الكبير على الواقع.
وهذه العلوم سمحت لنا بالتعامل المجدى والفعال مع الواقع المادى "الصناعة والزراعة والعمران.."، من أجل تحقيق أهدافنا وغاياتنا.
فقد اعتمد العلماء فى تشكيل المعارف العلمية على التجريب والاختبار والاستقراء الواسع وقاموا بوضع النظريات والقوانين، وكانت العلوم الفيزيائية والكيميائية هى المجال المناسب لتطبيق منهجهم والوصول لمعارف عالية الدقة بشكل كبير. واعتمدت العلوم الفيزيائية كأساس تبنى عليه باقى العلوم، فيتم تشكيل القوانين والنظريات والمعارف الكيميائية الدقيقة بالانطلاق من القوانين والنظريات الفيزيائية، ثم تبنى العلوم الفزيولوجية والبيولوجية وباقى العلوم.
صحيح أن المنهج العلمى الآن يواجه صعوبات كثيرة للوصول للمعارف الدقيقة فى كافة المجالات، نتيجة اتساع هذه المجالات التى نتعامل معها، بالإضافة لتعقيدها الكبير، وخاصة المجال النفسى والاجتماعى والاقتصادي. ولكن يظل الكثيرون يؤمنون أن اعتماد المنهج العلمى والمعارف الفيزيائية الدقيقة التى تم التوصل لها، هو الأفضل للوصول إلى معارف عالية الدقة فى تلك المجالات.
يقول جون بروكمان فى مقال عن "الإنسانيين الجدد": تتمثل المستحدثات فى ظهور بيولوجيا جديدة عن العقل وتحقيق تطورات مهمة تعتبر بمنزلة طفرة واسعة فى ميادين البيولوجيا العصبية والذكاء الصناعى والشبكات العصبية وغيرها من الإنجازات العلمية التى تؤلف تحدياً للافتراضات القديمة عن الطبيعة البشرية وعن معنى الإنسانية.
لقد أصبح مركز الفعل العقلى - حسب تعبيره - فى أيدى العلماء والمفكرين ذوى الميول العلمية، وهؤلاء هم الذين يؤلفون "الإنسانيين الجدد". "فالعلم الطبيعى الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا..." هو إذاً مركز الثقل فى الثقافة الجديدة على عكس ما كان عليه الوضع فى الماضى غير البعيد، فلم تعد معرفة الشخص لآراء مفكرين كبار من أمثال فرويد وماركس أو الإحاطة باتجاهات الحداثة مؤهلاً أو مسوغاً كافياً لاعتبار ذلك الشخص مثقفاً لأن هذه الثقافة "لا أمبيريقية" تغفل العلم، بل إنها على أفضل الأحوال مجرد شروح على شروح أو تعليقات على تعليقات سابقة، ولا تأخذ فى اعتبارها عالم الواقع بشكل دقيق، فهى ثقافة تعتمد معلومات متواضعة الدقة.
ما هى العلوم الفيزيائية؟ وإلى أين وصلت الآن؟
هذه نظرة سريعة: أن كافة الذرات تتألف من جسيمات ذرية صغيرة مستقرة، وهى الإلكترونات كتلة كل منها صغيرة نسبياً ولها شحنة سالبة، والبروتونات وهى ذات كتلة كبيرة نسبياً كتلة كل منها أكبر ب 1836 مرة من كتلة الإلكترون ولها شحنة موجبة مقدارها يعادل شحنة الإلكترون، والنيترونات كتلة كل منها تساوى تقريباً كتلة البروتون وليس لها شحنة. وكافة العناصر والمركبات والمواد مؤلفة من ذرات، والاختلاف بينها يكون بعدد الإلكترونات والبروتونات والنيترونات فقط. والجسيمات الذرية المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون والفوتون، وبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل.
وإن كل جسيم ذرى مؤلف من بنيات "أو أجزاء" صغيرة جداً، وهو غالباً على شكل غيمة أو غمامة تأخذ حيز معين، وهو غالباً متحرك حركة سريعة جداً، تقاس بالنسبة لسرعة الضوء. ولكل جسم ذرى مهما كان دوران أو لف "اسبين"، وله موجة مرفقة له أو يمكن أن يظهر على شكل موجة. وأن هناك أكثر من مائتان من الجسيمات الذرية غير المستقرة، والجسيمات المستقرة قليلة أهمها الإلكترون والبروتون والنيترون و الفوتون، والبقية الجسيمات تتفكك فور تكونها فعمرها بأجزاء من ألف أومن مليون من الثانية أو أقل.
إن كافة الجسيمات مصنوعة فى جوهرها من طبيعة "أو هيولي" واحدة وهى كمات من الطاقة. ويمكن أن تتحول كافة هذه الجسيمات إلى كمات من الطاقة أو العكس تتحول الطاقة إلى أحد هذه الجسيمات.
وهناك الأمواج ومنها الأمواج أو الأشعة الكهرطيسية التى لها خصائصها، والضوء أحد أشكالها، والضوء ثنائى الوجه فهو مرة بوجه أو بشكل بنية فوتون ومرة بشكل موجة كهرطيسية لها تردد معين حسب لونه وحسب طبيعته. وهناك الأمواج أو الأشعة النووية، والأشعة الكونية. وكافة الأمواج الكهرطيسية والنووية تسير بسرعة هائلة هى سرعة الضوء.
إن الذى ينشئ البنيات الفيزيائية هو القوى التى تتعرض لها عناصرها، فكافة أنواع الذرات تتكون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية. أما كافة أنواع المجرات والنجوم والكواكب والأقمار فهى تتكون نتيجة القوى الثقالية أو الجاذبية النيوتونية، ولولا وجود هذه القوّة لما تشكلت المجرات والنجوم أو الشموس والكواكب والأقمار.
وتعرض نظرية \'النموذج المعياري\' Standard Model توصيفاً كاملاً لمكونات الكون. فهى تعتبر أن كل شيء يتكون حصرياً من 12 جسيم أساسي: ستة كواركات QUARKS وستة لبتونات LEPTONS. جسيم ضد لكل جسيم من هذه الجسيمات. المجموع: 24 جسيماً دون ذري. هذه الجسيمات كافية تماماً لتشكيل كل شيء، فهى تشكل كافة الجسيمات الذرية. هذا النموذج يعد الأساسى والمنطلق للفيزياء الحديثة؛ رغم الهجمات المستمرة عليه ، والتى يبدو أنها ما تزال تزيده قوة.
وكانت نظرية الكم تحاول أن تفسر كافة البنيات والظواهر الفيزيائية بناءً على أنها حركة وتفاعل "لكمات الصغيرة".
ومفهوم الكم استعمل فى الفيزياء للدلالة على أن الطاقة ليست كميات متصلة، أى لا يمكن تقسيم أجزاء الطاقة إلى ما لا نهاية. والطاقة تنتقل على شكل وحدات متناهية الصغر وهى محددة وثابتة الكمية، وكذلك سرعتها ثابتة وهى سرعة الضوء، وأسموها "كمات" فهى مقداره من الطاقة تساوى 6256.6 10* مرفوعة الأس -34، أى هو مقدار متناهى فى الصغر، فإذا جمع ألف مليون مليون مليون مليون مليون "كم" لبلغوا جزء صغير من الطاقة هو حوالى جول ثانية فقط.
لا يوجد أى شيء فى الوجود إن كان مادة أو طاقة إلا وهو مؤلف من كمات، والكم لا نستطيع تحليله إلى بنيات أصغر منه، ومن هذه الكمات تتكوٌن الكواركات و اللبتونات، ومن الكواركات واللبتونات تتكون الجسيمات الذرية وهى أكثر من مائتين منها الفوتونات والإلكترونات والبروتونات والنيترونات. وأنه يمكن حساب نتائج هذه التفاعلات باستعمال الرياضيات المتطورة.
وقد نجحت هذه النظرية فى تفسير غالبية الظواهر الفيزيائية. فمن حركة البنيات الذرية الأولية تتكون المجالات والسيالات وبالتالى القوى الأساسية الثلاثة، الجاذبية أو الثقالة، والقوى الكهراطيسية مع القوى النووية الضعيف، والقوى النووية القوية. وكذلك تتكون الكتلة والشحنة والاسبين من تفاعل الكمات مع بعضها بطرق معقدة لم تتضح بعد.
فمن تفاعل البنيات الفيزيائية الأساسية، الإلكترون والبروتون والنيترون نتيجة القوى الكهرطيسية والنووية، تكونت ذرات كافة العناصر الكيميائية، ومن ذرات العناصر تكونت كافة المركبات الكيميائية بكافة أشكالها العضوية وغير العضوية، ومن هذه المركبات الكيميائية تكونت البنيات الحية البسيطة جداً ثم وحيدات الخلية البسيطة وهى نباتية وحيوانية، ثم الكائنات الحية كثيرة الخلايا ثم الفقريات وغيرها ثم الثدييات ثم الرأسيات ثم البشر.
وقد شكل البشر بعد أن ملكوا الكثير من القدرات الجسمية المناسبة بالإضافة إلى عقل متطور استخدم اللغة المحكية، البنيات الاجتماعية والبنيات التكنولوجية البسيطة مثل السكين والفأس والرمح والمحراث..، وكذلك كونوا البنيات الثقافية المتطورة بعد أن تشكلت اللغة المكتوبة، وتكونت الحضارات والبنيات السياسية والاقتصادية، ثم البنيات التكنولوجية المتطورة، القطارات والطائرة والمصانع والآلات...، ثم تكونت البنيات الإلكترونية التى تطورت وكونت العقول الإلكترونية.
لكن هناك سؤال : هل كل شيء يمكن إرجاعه إلى أسس فيزيائية، والقوانين الفيزيائية تنطبق عليه؟
فى الواقع نحن نعيش فى ثلاث عوالم مختلفة، وهى العالم المادى أو الفيزيائي، وعالم الكائنات الحية، وعالم الأفكار. ولهذا العوالم عناصرها وقوانينها الخاصة بها، صحيح أن هناك تشابه بينها فى بعض القوانين، وأن هناك تسلسل فى نشوء هذه العوالم وهى مترابطة زمنياً و سببياً. فمن العالم الفيزيائى تشكل عالم الكائنات الحية، وهو يختلف فى أمور عدة عن العالم الفيزيائي. ولكنه يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها.
وكذلك تشكلت الأفكار فى أدمغة الكائنات الحية ثم بعد ذلك استطاعت هذه الأفكار أن تخرج وتتوضع خارج العقول. وعالم الأفكار هو أيضاً يبقى خاضعاً للقوانين الفيزيائية ولا يخرقها، ولكنه يختلف فى خصائصه وبعض قوانينه عن عالم الكائنات الحية وعن العالم الفيزيائي، مع أنه تشكل منهما. لذلك يجب مراعاة خصائص كل من هذه العوالم الثلاثة.
فنحن نعيش فى العوالم الثلاثة ونخضع لقوانينها وتأثيراتها، فالبنيات الفيزيائية تؤثر فينا كما تؤثر علينا البنيات الفزيولوجية "المكونة لجسمنا " والبنيات الحية الأخرى إن كانت حيوانات أو حشرات أو جراثيم، وتؤثر علينا البنيات الاجتماعية إن كانت ثقافية وعقائدية أو فكرية و سياسية و اقتصادية و تكنولوجية....
ولكن يظهر أن التأثير الأكبر علينا هو من عالم الفكر "الثقافة والعقائد والمعارف" فهو يتحكم ويوجه أغلب تصرفاتنا، وهو يساهم بشكل أساسى بتشكيل أهدافنا وغاياتنا ودوافعنا. وفى النهاية نذكر أهم خصائص كافة المعارف.
1- المعرفة هى تنبؤ "والاستقراء، والاستنتاج، والاستنباط، والاستدلال، و التركيب، والتحليل، والتفسير، والسببية" يتضمنون التنبؤ، والحكم هو تنبؤ معتمد. و لها درجة صحة أو درجة دقة ولا توجد معارف مطلقة الصحة. والمعرفة هى بمثابة مفاتيح تسمح لنا بفتح الزمن واستباق الواقع، ومعرفة مراكز التوازن أو الاستقرار لدارات تفاعل البنيات ونتائج صيرورتها، وبالتالى تسمح لنا بتحقيق الأهداف بأسرع وأسهل طريقة، دون استعمال التصحيح بالتغذية العكسية أو التجربة والخطأ، لأنها تسمح لنا بتحديد المطلوب الصحيح فوراً. فهى بمثابة المفاتيح التى تفتح الأقفال أو الأبواب المطلوبة من المرة الأولى.
2- نسبية المعرفة وتبعيتها للعارف وارتباطها به، لذلك لا توجد معارف مطلقة.
3- ارتباط المعرفة وتبعيتها لخصائص وقدرات الحواس البشرية. أشكال تأثرها بالوجود و خصائصها، وقدرات وخصائص العقل البشري. لذا فإن المعرفة البشرية مختصرة ولا تشمل إلا جزءاً ضئيلاً من وقائع الواقع اللا متناهية. وترتبط المعرفة بزمان ومكان وقدرات وخصائص الإنسان العارف الذى هو مرجع هذه المعارف، لذلك تختلف المعارف باختلاف الأشخاص واختلاف الأزمان.
4- المعارف يجب أن تكون عامة و توحيدها لا بد منه، عند تعامل الناس بها.
5- هى نتيجة التواصل الفكرى بين البشر
اريتري كلاسيكي- ღ♥ღعضو جديدღ♥ღ
-
المساهمات : 44
النقاط : -5997
التقيم : 1
السن : 40
المزاج :
المهنة :
السمعة :
رد: مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الثاني)
رائع جدا مقالك...
و كثير نقاط استفدت منها
بارك الله فيك
:papillon:
و كثير نقاط استفدت منها
بارك الله فيك
:papillon:
رد: مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الثاني)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مواضيع مماثلة
» مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الاول)
» هل تذكرين ؟ ....الجزء الثاني ....
» أناقة الرجل (الجزء الثاني)
» قصة حب سارة وعمر الجزء الثاني
» قصة فيصل مع الصغيرة بيلسان ( الجزء الثاني و الاخير)
» هل تذكرين ؟ ....الجزء الثاني ....
» أناقة الرجل (الجزء الثاني)
» قصة حب سارة وعمر الجزء الثاني
» قصة فيصل مع الصغيرة بيلسان ( الجزء الثاني و الاخير)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
14.02.23 10:46 من طرف r brigad
» :)*"ملتقى الأعضاء"*(:
11.05.19 23:40 من طرف BRAD
» اسال عن الجميع
11.05.19 23:38 من طرف BRAD
» يلا ثقافة احمد الشقيري .. تعال هنا
22.04.16 10:03 من طرف فـارس بـلاجـواد
» السلام عليكم
07.10.15 16:31 من طرف r brigad
» برنامج حسابات
09.07.15 12:28 من طرف hebadexef
» بالصور: أفضل برنامج لتعلم الانجليزية للهواتف الذكية
12.02.15 10:10 من طرف طلال احمد الشيخ
» دورة تدريبية في مراقبة المخزون
16.09.14 18:08 من طرف عابر سبيل
» حقائق رقمية مذهلة في سورة الناس
20.04.14 15:26 من طرف ines
» تعلم تحدث الإنجليزية بطريقة جيدة وممتعة
23.01.14 0:54 من طرف نبع الورود
» ادارة المخاطر المالية
12.12.13 20:43 من طرف عابر سبيل
» اساليبي الاستثماربالصنديق الاستثمارية
23.11.13 9:31 من طرف عابر سبيل