مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الاول)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الاول)
قيل الكثير فى طلب العلم، والكل يقولون العلم هو الهدف الأول. ولكن :
ما هو العلم المطلوب؟
وما هى خصائصه؟
وما هو منهجه؟
وكيف يتم إنتاج المعرفة العلمية وانطلاقاً من ماذا؟
وما هو مفهوم الواقع كما يتعامل معه العلم، وكما يشتغل عليه؟ و
ما هى طبيعة النظريات العلمية؟
وما هى وسائل إثباتها واختبارها؟
وكيف تتطور العلوم، وما هى القوانين المتحكمة فى نموها وتطورها؟
وما هى ميزات العلم الأساسية، وما هى تأثيراته على بقية المعارف؟
طبعاً لن نبحث فى كل هذا، بل نلقى نظرة سريعة ونلخص أهم صفات وخصائص المعارف العلمية. لقد كان رأى غاليلو غاليلى وفرنسيس بيكون، أن تحسين ظروف الحياة لا يتم إلا عن طريق العلم، فالهدف هو معرفة الأسباب ومعرفة الحركات الخفية للأشياء، والعمل على إطلاق القدرات البشرية إلى أقصى الحدود.
ويقول كارل بوبر: "إن إحدى المهام الأساسية للعقل البشرى هى أن يجعل الكون الذى نحيا فيه مفهوماً وتلك هى مهمة العلم. وإن إيجابيات المنهج العلمى هي: المحاولة والخطأ، وطرح الفروض الجريئة وتعريضها لأعنف نقد ممكن، ومحاولة حل المشكلات والحل الأقدر والرأى الأرجح يفوز.
وإن النظريات مهمة ولا غناء عنها لأننا من دونها لن نستطيع أن نيمم جهودنا شطر العالم، لن نستطيع أن نعيش. وحتى ملاحظاتنا يتم تأويلها بمعونة النظريات. فالنظريات والقوانين ليست شيئاً غير سلاسل من القواعد تربط سلسلة من الظواهر القابلة للملاحظة بأخرى. إن احتياجنا للنظريات ملح، وأن قوة النظريات هائلة ولكن لا ينبغى أن تستغرقنا أى نظرية. ولابد أن تكون رؤيتنا للعالم فى أى لحظة ملقحة بنظرية ما، ولكن هذا يجب أن لا يحول بيننا وبين التقدم نحو نظرية أفضل.
فتأثير المعرفة العلمية المتنامية على حياتنا يتعاظم بصورة مباشرة عن طريق التطبيقات التكنولوجية، وهذا التأثير لم يتضح إلا فى غضون المائتى عام الأخيرة، ويؤثر العلم الآن على حياة الناس أجمعين تأثيراً عميقاً.
والنظريات العلمية لا تقتصر على مجرد وصف الواقع، بل أنها تكشف المجهول بقدرتها على التنبؤ. فالمعارف العلمية تقدم لنا صورة عن الواقع المتغير باستمرار، فلا يوجد ما هو مستقر، ما هو دائم، فى تأكيدات العلم، فالمعارف العلمية دوماً قابلة للتطور والتجديد نحو الأدق والأصح".
فمهمة العلم هى صياغة النظريات والقوانين صياغة رياضية منظمة تسهل علينا التعامل مع الواقع، وتمكننا من التنبؤ المستقبلى للحوادث، وذلك بوضع الفرضيات واختبارها واستبعاد الفرضيات التى لا يمكن اختبارها، واستقراء الواقع وبناء التعميمات التى هى نظريات وقوانين.
ويقول آلان شالمرز: "القوانين والنظريات بوصفها أجهزة تنبؤية وتفسيرية، وإحدى سمات العلم الكبرى هى قدرته على التفسير والتنبؤ، فالعلم لا يهتم بمعرفة جوهر أو ماهية الأشياء بل بكيفية تكون الأشياء وكيفية حدوث الوقائع وصياغة النظريات و القوانين لها. فهدف العلم هو إنتاج نظريات وقوانين تكون أجهزة أو أدوات صالحة وميسرة للربط بين سلسلة من الوضعيات القابلة للملاحظة بسلسلة أخرى مماثلة، من أجل وصف العالم بصورة دقيقة وقابلة للفهم". من أين تأتى ؟
دقة المعارف العلمية؟
إن كافة معارفنا يتم بناؤها بالاعتماد على الاستقراء والتعميم. فالاستنتاج والتنبؤ انطلاقاً من عدد من الحالات التى تم رصدها أو مشاهدتها يكون نتيجة الاستقراء للواقع.
والميزة الأساسية للمعارف العلمية هى أنها تعتمد استقراء واسع جداً فى بناء التعميم. وهذا التعميم يكون على شكل قوانين أو نظريات. فالاستقراءات التى يعتمدها العلم تشمل ملايين أو مليارات من الحالات التى يتم رصدها وبناء الاستقراء بالاعتماد عليها. وهذا لا يحدث فى باقى المعارف، فأغلب المعارف غير العلمية تعتمد كمرجع بضعة حالات فى تعميماتها، وبعضها يطلق التعميم بالاعتماد على استقراء حادثة واحدة أحياناً، أو من قصة مروية، ويبنى التعميم عليها، فيكون هذا التعميم ضعيف الدقة.
هناك تساؤلات عما إذا كانت الاستدلالات الاستقرائية مبررة أو يمكن تبريرها وفق أية شروط، أى ما يعرف بمشكلة الاستقراء. ويمكن صياغة المشكلة فى السؤال القائل: كيف يمكن تأسيس صدق القضايا الكلية المستندة إلى الخبرة كالفروض والأنساق النظرية للعلوم الامبريقية، وهل هناك استدلالات استقرائية يمكن تبريرها منطقياً، وكيف نبرر تعميمنا المعتمد على رصد عدد من الحالات مهما كان هذا كبيراً فى الواقع لا يمكن أن يكون تعميمنا مطلق الصحة، وليس ضرورياً تبرير الاستقراء منطقياً، فيكفى أن نصل إلى معارف ذات نتائج عملية نسبة دقتها عالية جداً.
وكان هيوم يرى أنه لا يمكن تبرير الاستقراء بالمنطق أو التجربة، وأن العلم لا يقبل التبرير العقلى دون الاعتماد على الواقع والتجربة.
ويقول رشنباخ: "لقد وصفنا مبدأ الاستقراء بأنه الوسيلة التى يمكن بها للعلم أن يقرر الصدق، ولتوخى الدقة أكثر ينبغى القول أن هذا المبدأ يخدمنا فى تقرير الاحتمال، لأنه ليس من مهام العلم أن يصل للصدق أو الكذب... ولكن القضايا العلمية وحدها هى ما يمكن أن يصل لدرجات من الاحتمال والتى تصبح فى حدودها العليا والدنيا هى الصدق أو الكذب، فالاستدلال الاستقرائى يمكن أن يصل لدرجة عالية من الموثوقية أو الاحتمال وهذا ما نحن بحاجة إليه فى حياتنا العملية".
إن المعارف العلمية تتميز عن باقى المعارف بقابليتها للتكذيب والصمود أمام كافة التكذيبات. فنحن نستطيع أن نختبر أى قانون أو نظرية علمية، وإذا كذبه اختبار واحد، عندها سوف نسعى لتغييره أو تعديله. والنظريات العلمية ذات المحتوى الإخبارى الكبير وذات التأملات الأكثر جرأة مفضلة شرط أن تكون قابلة للتكذيب وتصمد أمامه.
وكذلك إذا تناقض قانون فى مجال معين مع قانون آخر، عندها نسعى لإزالة هذا التناقض، إما بإلغاء أحدهم أو كلاهم، أو تعديل أحدهم أوكلاهم. يجب أن لا تتناقض القوانين والنظريات العلمية مع بعضها. ويجب إلغاء النظريات التى لا تستطيع مواجهة اختبارات الملاحظة أو التجربة، وتعويضها بنظريات أخرى أدق منها.
ولن نسمح لأنفسنا بالقول بأن نظرية ما صحيحة، بل سننحو إلى التأكيد بأنها أفضل ما هو متوفر وأنها تتجاوز كل النظريات التى جاءت قبلها، أى ليس هناك معارف علمية مقدسة معصومة من التعديل أو التطوير.
إن الوسائل المختلفة التى نستخدمها لإنتاج النظريات حول العالم، تجرنا وتقودنا إلى عملية اكتشاف لا تنقطع، ولا نستطيع أن نعرف قبلياً ما ستكون عليه هذه العملية فى المستقبل، وليس فى إمكان أى محاجة فلسفية أن تمكننا من ذلك.
لقد اكتشف غاليلى أن من الممكن إدراك بعض مظاهر العالم الفيزيائى بواسطة نظرية رياضية للحركة، ثم ابتعدت نظريات نيوتن عن هذه الفكرة فى بعض النقاط الجوهرية، والميكانيكا الكوانطية تدرك العالم بطرق تختلف اختلافاً جوهرياً وأساسياً عن طرق ومسلك الفيزياء الكلاسيكية، ومن يدرى ما سوف تشبه النظريات الآتية.
العلم فى مفهومه الحالى يتمثل بالمعارف العالية الدقة، والمتوضعة فى الكتب والوثائق وغيرها. فالعلم هو كمية هائلة من المعارف المترابطة فى سلاسل وأنساق، ومنتظمة فى بنية واحدة تقريباً. وهذه المعارف عالية الدقة وتنطبق بدرجة عالية على الواقع الذى نعيشه، وهى خاضعة للاختبار والتأكد من دقتها دوماً.
والذى يميز المعارف العلمية عن باقى المعارف، مثل المعارف العادية، كالأمثال والمعارف الشعبية والعقائدية والفنية والفلسفية وغيرها هو:
أولاً : المعارف العلمية تعتمد النظريات والقوانين الدقيقة التى تبنى بالقياس الكمى الدقيق، والرياضيات هى أداتها.
ثانياً : درجة دقة تنبؤاتها العالية وانطباقها على الواقع بشكل كبير. فقد تم اعتمادها بعد اختبار وتجريب واسع جداً.
ثالثاً : تترابط هذه المعارف مع بعضها فى سلاسل وأنساق، فهى مترابطة بشكل كبير فى بنية واحدة متماسكة ولا يوجد تناقض بينها.
رابعاً: اعتمادها من قبل أغلبيةً كبيرة أى عموميتها وتوحيدها، وهذا يجعل تداولها بين الشعوب المختلفة سهلاً. هذا إذا لم تصطدم وتتعارض مع المعارف العقائدية أو المقدسات المعتمدة. وهى بعكس المعارف الشعبية والعقائدية وباقى المعارف التى يصعب تداولها بين الجماعات التى تتبنى كل واحدة منها معارف خاصة بها، فالمعارف غير العلمية هائلة جداً وهى فى كل المجالات ولقد تنوعت وتعددت مصادرها وأصولها، وهذا ما جعلها متواضعة الدقة وغير منسقة ومتناقضة مع بعضها فى أغلب الأحيان.
خامساً: المعارف العلمية لا تحمل قيمة إلا مقدار درجة دقة انطباقها على الواقع، فهذا الذى يعطيها قيمتها، مثال: "كل المعادن تتمدد بالحرارة"، هذه معلومة علمية، وليس المهم أن يكون هناك فائدة أو ضرراً لهذا التمدد، فالمهم هو أن كافة المعادن تتمدد بالحرارة باحتمال شبه مطلق. فقيمة المعارف العلمية تأتى من دقة تنبؤها العالية وانطباقها على الواقع.
سادساً: هذه المعارف متسلسلة فى درجة دقتها، فالمعارف الرياضية الهندسة والحساب والجبر والتفاضل.. تأتى فى القمة ودقتها تامة أى مطلقة. تليها المعارف الفيزيائية ودرجة دقتها تتجاوز 10 قوة 12. تليها المعارف الكيميائية، ثم المعارف البيولوجية، ثم المعارف الاجتماعية...، والمعارف العلمية تنمو وتتوسع وتزداد دقة باستمرار.
_________________
لن نأخذ الحكمة من أفواه المجانين بل من أشخاص ذوي تجربة. لكن الحياة قصيرة حتى تقرأ كتب المجربين و ستخرج من بين حشاياها حكمهم و أقوالهم المأثورة
ما هو العلم المطلوب؟
وما هى خصائصه؟
وما هو منهجه؟
وكيف يتم إنتاج المعرفة العلمية وانطلاقاً من ماذا؟
وما هو مفهوم الواقع كما يتعامل معه العلم، وكما يشتغل عليه؟ و
ما هى طبيعة النظريات العلمية؟
وما هى وسائل إثباتها واختبارها؟
وكيف تتطور العلوم، وما هى القوانين المتحكمة فى نموها وتطورها؟
وما هى ميزات العلم الأساسية، وما هى تأثيراته على بقية المعارف؟
طبعاً لن نبحث فى كل هذا، بل نلقى نظرة سريعة ونلخص أهم صفات وخصائص المعارف العلمية. لقد كان رأى غاليلو غاليلى وفرنسيس بيكون، أن تحسين ظروف الحياة لا يتم إلا عن طريق العلم، فالهدف هو معرفة الأسباب ومعرفة الحركات الخفية للأشياء، والعمل على إطلاق القدرات البشرية إلى أقصى الحدود.
ويقول كارل بوبر: "إن إحدى المهام الأساسية للعقل البشرى هى أن يجعل الكون الذى نحيا فيه مفهوماً وتلك هى مهمة العلم. وإن إيجابيات المنهج العلمى هي: المحاولة والخطأ، وطرح الفروض الجريئة وتعريضها لأعنف نقد ممكن، ومحاولة حل المشكلات والحل الأقدر والرأى الأرجح يفوز.
وإن النظريات مهمة ولا غناء عنها لأننا من دونها لن نستطيع أن نيمم جهودنا شطر العالم، لن نستطيع أن نعيش. وحتى ملاحظاتنا يتم تأويلها بمعونة النظريات. فالنظريات والقوانين ليست شيئاً غير سلاسل من القواعد تربط سلسلة من الظواهر القابلة للملاحظة بأخرى. إن احتياجنا للنظريات ملح، وأن قوة النظريات هائلة ولكن لا ينبغى أن تستغرقنا أى نظرية. ولابد أن تكون رؤيتنا للعالم فى أى لحظة ملقحة بنظرية ما، ولكن هذا يجب أن لا يحول بيننا وبين التقدم نحو نظرية أفضل.
فتأثير المعرفة العلمية المتنامية على حياتنا يتعاظم بصورة مباشرة عن طريق التطبيقات التكنولوجية، وهذا التأثير لم يتضح إلا فى غضون المائتى عام الأخيرة، ويؤثر العلم الآن على حياة الناس أجمعين تأثيراً عميقاً.
والنظريات العلمية لا تقتصر على مجرد وصف الواقع، بل أنها تكشف المجهول بقدرتها على التنبؤ. فالمعارف العلمية تقدم لنا صورة عن الواقع المتغير باستمرار، فلا يوجد ما هو مستقر، ما هو دائم، فى تأكيدات العلم، فالمعارف العلمية دوماً قابلة للتطور والتجديد نحو الأدق والأصح".
فمهمة العلم هى صياغة النظريات والقوانين صياغة رياضية منظمة تسهل علينا التعامل مع الواقع، وتمكننا من التنبؤ المستقبلى للحوادث، وذلك بوضع الفرضيات واختبارها واستبعاد الفرضيات التى لا يمكن اختبارها، واستقراء الواقع وبناء التعميمات التى هى نظريات وقوانين.
ويقول آلان شالمرز: "القوانين والنظريات بوصفها أجهزة تنبؤية وتفسيرية، وإحدى سمات العلم الكبرى هى قدرته على التفسير والتنبؤ، فالعلم لا يهتم بمعرفة جوهر أو ماهية الأشياء بل بكيفية تكون الأشياء وكيفية حدوث الوقائع وصياغة النظريات و القوانين لها. فهدف العلم هو إنتاج نظريات وقوانين تكون أجهزة أو أدوات صالحة وميسرة للربط بين سلسلة من الوضعيات القابلة للملاحظة بسلسلة أخرى مماثلة، من أجل وصف العالم بصورة دقيقة وقابلة للفهم". من أين تأتى ؟
دقة المعارف العلمية؟
إن كافة معارفنا يتم بناؤها بالاعتماد على الاستقراء والتعميم. فالاستنتاج والتنبؤ انطلاقاً من عدد من الحالات التى تم رصدها أو مشاهدتها يكون نتيجة الاستقراء للواقع.
والميزة الأساسية للمعارف العلمية هى أنها تعتمد استقراء واسع جداً فى بناء التعميم. وهذا التعميم يكون على شكل قوانين أو نظريات. فالاستقراءات التى يعتمدها العلم تشمل ملايين أو مليارات من الحالات التى يتم رصدها وبناء الاستقراء بالاعتماد عليها. وهذا لا يحدث فى باقى المعارف، فأغلب المعارف غير العلمية تعتمد كمرجع بضعة حالات فى تعميماتها، وبعضها يطلق التعميم بالاعتماد على استقراء حادثة واحدة أحياناً، أو من قصة مروية، ويبنى التعميم عليها، فيكون هذا التعميم ضعيف الدقة.
هناك تساؤلات عما إذا كانت الاستدلالات الاستقرائية مبررة أو يمكن تبريرها وفق أية شروط، أى ما يعرف بمشكلة الاستقراء. ويمكن صياغة المشكلة فى السؤال القائل: كيف يمكن تأسيس صدق القضايا الكلية المستندة إلى الخبرة كالفروض والأنساق النظرية للعلوم الامبريقية، وهل هناك استدلالات استقرائية يمكن تبريرها منطقياً، وكيف نبرر تعميمنا المعتمد على رصد عدد من الحالات مهما كان هذا كبيراً فى الواقع لا يمكن أن يكون تعميمنا مطلق الصحة، وليس ضرورياً تبرير الاستقراء منطقياً، فيكفى أن نصل إلى معارف ذات نتائج عملية نسبة دقتها عالية جداً.
وكان هيوم يرى أنه لا يمكن تبرير الاستقراء بالمنطق أو التجربة، وأن العلم لا يقبل التبرير العقلى دون الاعتماد على الواقع والتجربة.
ويقول رشنباخ: "لقد وصفنا مبدأ الاستقراء بأنه الوسيلة التى يمكن بها للعلم أن يقرر الصدق، ولتوخى الدقة أكثر ينبغى القول أن هذا المبدأ يخدمنا فى تقرير الاحتمال، لأنه ليس من مهام العلم أن يصل للصدق أو الكذب... ولكن القضايا العلمية وحدها هى ما يمكن أن يصل لدرجات من الاحتمال والتى تصبح فى حدودها العليا والدنيا هى الصدق أو الكذب، فالاستدلال الاستقرائى يمكن أن يصل لدرجة عالية من الموثوقية أو الاحتمال وهذا ما نحن بحاجة إليه فى حياتنا العملية".
إن المعارف العلمية تتميز عن باقى المعارف بقابليتها للتكذيب والصمود أمام كافة التكذيبات. فنحن نستطيع أن نختبر أى قانون أو نظرية علمية، وإذا كذبه اختبار واحد، عندها سوف نسعى لتغييره أو تعديله. والنظريات العلمية ذات المحتوى الإخبارى الكبير وذات التأملات الأكثر جرأة مفضلة شرط أن تكون قابلة للتكذيب وتصمد أمامه.
وكذلك إذا تناقض قانون فى مجال معين مع قانون آخر، عندها نسعى لإزالة هذا التناقض، إما بإلغاء أحدهم أو كلاهم، أو تعديل أحدهم أوكلاهم. يجب أن لا تتناقض القوانين والنظريات العلمية مع بعضها. ويجب إلغاء النظريات التى لا تستطيع مواجهة اختبارات الملاحظة أو التجربة، وتعويضها بنظريات أخرى أدق منها.
ولن نسمح لأنفسنا بالقول بأن نظرية ما صحيحة، بل سننحو إلى التأكيد بأنها أفضل ما هو متوفر وأنها تتجاوز كل النظريات التى جاءت قبلها، أى ليس هناك معارف علمية مقدسة معصومة من التعديل أو التطوير.
إن الوسائل المختلفة التى نستخدمها لإنتاج النظريات حول العالم، تجرنا وتقودنا إلى عملية اكتشاف لا تنقطع، ولا نستطيع أن نعرف قبلياً ما ستكون عليه هذه العملية فى المستقبل، وليس فى إمكان أى محاجة فلسفية أن تمكننا من ذلك.
لقد اكتشف غاليلى أن من الممكن إدراك بعض مظاهر العالم الفيزيائى بواسطة نظرية رياضية للحركة، ثم ابتعدت نظريات نيوتن عن هذه الفكرة فى بعض النقاط الجوهرية، والميكانيكا الكوانطية تدرك العالم بطرق تختلف اختلافاً جوهرياً وأساسياً عن طرق ومسلك الفيزياء الكلاسيكية، ومن يدرى ما سوف تشبه النظريات الآتية.
العلم فى مفهومه الحالى يتمثل بالمعارف العالية الدقة، والمتوضعة فى الكتب والوثائق وغيرها. فالعلم هو كمية هائلة من المعارف المترابطة فى سلاسل وأنساق، ومنتظمة فى بنية واحدة تقريباً. وهذه المعارف عالية الدقة وتنطبق بدرجة عالية على الواقع الذى نعيشه، وهى خاضعة للاختبار والتأكد من دقتها دوماً.
والذى يميز المعارف العلمية عن باقى المعارف، مثل المعارف العادية، كالأمثال والمعارف الشعبية والعقائدية والفنية والفلسفية وغيرها هو:
أولاً : المعارف العلمية تعتمد النظريات والقوانين الدقيقة التى تبنى بالقياس الكمى الدقيق، والرياضيات هى أداتها.
ثانياً : درجة دقة تنبؤاتها العالية وانطباقها على الواقع بشكل كبير. فقد تم اعتمادها بعد اختبار وتجريب واسع جداً.
ثالثاً : تترابط هذه المعارف مع بعضها فى سلاسل وأنساق، فهى مترابطة بشكل كبير فى بنية واحدة متماسكة ولا يوجد تناقض بينها.
رابعاً: اعتمادها من قبل أغلبيةً كبيرة أى عموميتها وتوحيدها، وهذا يجعل تداولها بين الشعوب المختلفة سهلاً. هذا إذا لم تصطدم وتتعارض مع المعارف العقائدية أو المقدسات المعتمدة. وهى بعكس المعارف الشعبية والعقائدية وباقى المعارف التى يصعب تداولها بين الجماعات التى تتبنى كل واحدة منها معارف خاصة بها، فالمعارف غير العلمية هائلة جداً وهى فى كل المجالات ولقد تنوعت وتعددت مصادرها وأصولها، وهذا ما جعلها متواضعة الدقة وغير منسقة ومتناقضة مع بعضها فى أغلب الأحيان.
خامساً: المعارف العلمية لا تحمل قيمة إلا مقدار درجة دقة انطباقها على الواقع، فهذا الذى يعطيها قيمتها، مثال: "كل المعادن تتمدد بالحرارة"، هذه معلومة علمية، وليس المهم أن يكون هناك فائدة أو ضرراً لهذا التمدد، فالمهم هو أن كافة المعادن تتمدد بالحرارة باحتمال شبه مطلق. فقيمة المعارف العلمية تأتى من دقة تنبؤها العالية وانطباقها على الواقع.
سادساً: هذه المعارف متسلسلة فى درجة دقتها، فالمعارف الرياضية الهندسة والحساب والجبر والتفاضل.. تأتى فى القمة ودقتها تامة أى مطلقة. تليها المعارف الفيزيائية ودرجة دقتها تتجاوز 10 قوة 12. تليها المعارف الكيميائية، ثم المعارف البيولوجية، ثم المعارف الاجتماعية...، والمعارف العلمية تنمو وتتوسع وتزداد دقة باستمرار.
_________________
لن نأخذ الحكمة من أفواه المجانين بل من أشخاص ذوي تجربة. لكن الحياة قصيرة حتى تقرأ كتب المجربين و ستخرج من بين حشاياها حكمهم و أقوالهم المأثورة
اريتري كلاسيكي- ღ♥ღعضو جديدღ♥ღ
-
المساهمات : 44
النقاط : -5997
التقيم : 1
السن : 40
المزاج :
المهنة :
السمعة :
رد: مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الاول)
موضوع رائع..بعض المعلومات درسنا عنها..
و لكنك تعمقت أكثر ...
بارك الله فيك...بجد مقال 10 / 10
تقبل تحياتي
و لكنك تعمقت أكثر ...
بارك الله فيك...بجد مقال 10 / 10
تقبل تحياتي
رد: مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الاول)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مواضيع مماثلة
» مالذي يجعل العلم علما؟؟(الجزء الثاني)
» قصة سارة حب وعمر الجزء الاول
» العلم الاردني
» خصائص العلم الوطني الجزائري
» نادال.. المصنف الاول ..لاول مرة
» قصة سارة حب وعمر الجزء الاول
» العلم الاردني
» خصائص العلم الوطني الجزائري
» نادال.. المصنف الاول ..لاول مرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
14.02.23 10:46 من طرف r brigad
» :)*"ملتقى الأعضاء"*(:
11.05.19 23:40 من طرف BRAD
» اسال عن الجميع
11.05.19 23:38 من طرف BRAD
» يلا ثقافة احمد الشقيري .. تعال هنا
22.04.16 10:03 من طرف فـارس بـلاجـواد
» السلام عليكم
07.10.15 16:31 من طرف r brigad
» برنامج حسابات
09.07.15 12:28 من طرف hebadexef
» بالصور: أفضل برنامج لتعلم الانجليزية للهواتف الذكية
12.02.15 10:10 من طرف طلال احمد الشيخ
» دورة تدريبية في مراقبة المخزون
16.09.14 18:08 من طرف عابر سبيل
» حقائق رقمية مذهلة في سورة الناس
20.04.14 15:26 من طرف ines
» تعلم تحدث الإنجليزية بطريقة جيدة وممتعة
23.01.14 0:54 من طرف نبع الورود
» ادارة المخاطر المالية
12.12.13 20:43 من طرف عابر سبيل
» اساليبي الاستثماربالصنديق الاستثمارية
23.11.13 9:31 من طرف عابر سبيل